من حكمة الله تعالى أن فصل بين عالم الإنس و عالم الجن بستار لا يمكن هتكه إلا إن لجأ الإنسان إليهم ليؤذي إنسان غيره ، حينها سيُهتك ذلك الستر لمن سعى لسحرهم أو لمن وقع عليه السحر على حدٍ سواء ، إلا أن من سعى و لجأ إليهم ليؤذي غيره يكون قد أشرك بالله فأستحق بذلك العقاب من الله في الدنيا و الآخرة .
في هذا المقال لا أقصد ذلك هتك الستار بين العالمين بسبب السحر ، فما أقصده هو ظهور الشيطان و تجسده في صورة الإنسان ، فالشيطان يتجسد في صورة البشر كما جاء في الأثر ، و لا يتجسد إلا إذا كان هناك ضرورة و هدف يسعى إليه إما لإضلال البشر الذين أقسم بأن يجعل مصيرهم إلى النار إلا عباد الله المخلصين منهم ، أو لمحاربة أولياء الله و رسله و النيل منهم كي لا يتمكنوا من هداية الناس لطريق الحق الذي أراده لهم الله عز و جل .
الشيطان لا يشتغل إعتباطاً و لا يسهو ثانية واحدة عنا ، فهو يضع الخطط المحكمة و يستخدم الوسائل اللازمة في سبيل ذلك ، و له جنوده من الجن و الإنس الذين نذروا حياتهم لخدمته و عبادته ، له خططه السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و العسكرية ، و له كذلك خطط قصيرة و متوسطة المدى و خطط إستراتيجية و بعيدة المدى ، لقد حرك الشيطان أحداثاً تاريخية لا زلنا نعاني من آثارها في الحاضر و المستقبل ، و قد يحرك أحداثاً في دول بعيدة عنا جغرافياً و لكن آثارها السيئة تصل إلينا و قد تكون سبباً في الضعف و الفرقة و الهوان الذي نعيش فيه .
عندما أنزل الله أبينا آدم للأرض بسبب خطيئته و التي كانت بسبب إغواء الشيطان له ، عاش آدم و ذريته لفترة من الزمن و هم يعبدون الله تعالى و لا يشركون به شيئاً ، و مرت سنون كثيرة و هم على ذلك حتى تجسد لهم الشيطان في هيئة رجلٍ جاءهم ناصحاً فقال لهم : (لما لا تخلدوا ذكرى سادتكم و زعماءكم “وداً و سواعاً و يغوث و نسراً” فتصنعوا لهم تماثيل تشبههم لتتذكروهم بها) ، و عندما صنعوا تلك التماثيل جاءهم مرةً أخرى قائلا لهم : (لما لا تعظموا هذه التماثيل فتسجدوا لها لتقربكم إلى الله زلفى) ، ففعلوا ذلك حتى نسوا عبادة الله ، فعبدوا الأصنام جميعهم إلا شرذمة قليلون هم نبي الله نوح و من معه ، فاستحق قوم نوح بذلك العذاب و الغرق .
و في زمن آخر في زمن نبي الله لوط ، كان هناك رجل يحرث أرضه و قد جعل طعامه في صُرّة ، فتجسد الشيطان في صورة صبي أراد أن يسرق طعام ذلك الفلاح فأمسك به الفلاح و أراد أن يضربه لفعلته ، فقال له الصبي : (اتركني أيها الفلاح الطيب و سأريك أمراً سيجعلك تنسى ما فعلت) ، و بذلك إنتشر الفعل القبيح في قوم لوط حتى اكتفى الرجال بالرجال ، و جاء مرة أخرى لكن هذه المرة في صورة إمرأة و ذهب لنساء قوم لوط و قال لهن : (ألا ترين أن الرجال قد اكتفى بعضهم ببعض فلم يعودوا يبالوا بنا ؟ فليكن بين النساء ما كان بين الرجال و لتكتفي النساء بالنساء) ، و بالمثل إنتشر السحاق بينهن.
و في عهد رسول الله عليه الصلاة و السلام إجتمع سادة قريش في دار الندوة لكي يجدوا حلاً نهائياً يخلصهم من رسول الله و من تبعه من المؤمنين ، و عندما تعالت الصرخات فيما بينهم و اشتد بينهم النقاش و عجزوا عن وضع الحل إذ بشيخ مَهيب من نجد يدخل عليهم و يطرح لهم فكرة لاقت إستحسان الجميع ، و هي أن يؤخذ من كل قبيلة فارس فيضربون محمد بن عبدالله ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل ، و لاقت فكرته الشيطانية استحسان قادة قريش و نفذوا ما قال لهم ، لكن الله تعالى نجّا رسوله الكريم و أردى كيد الشيطان اللعين.
و في غزوة بدر تجسد الشيطان في صورة رجل من أشراف كنانة حاملاً راية الحرب و أخذ يحشد المشركين لقتال المسلمين ، لكن عندما بدأ القتال ؛ شاهد الشيطان الملائكة تنزل من السماء و تساند المسلمين فنكص على عقبيه هارباً فسأله المقاتلين : إلى أين الهروب ؟ فقال عليه اللعنة : أني أرى ما لا ترون ، و بفضل الله و قوته إنتصر المسلمين على المشركين إنتصاراً ساحقاً و هم قلة قليلة.
إذن تجسد الشيطان في صورة البشر حقيقة ثابتة حدثت في مواضع كثيرة و أزمنة متعددة ، و كان أثر ذلك التجسد في كثير من المرات كارثي ، إما بإنحراف الناس عن عبادة الله فيعبدون غيره ، أو بإنحرافات أخلاقية خطيرة مثل الزنا و اللواط و الرذيلة بكافة أشكالها ، و من المعروف أن عبدة الشيطان يسيطرون على صناعة أفلام البورنو و الشذوذ الجنسي و المواقع الإباحية لينفذوا من خلال ذلك خطط الشيطان في إفساد الناس و تدنيس الفطرة الإنسانية التي فطر الله بها الخلق ، و الشيطان ما زال يتجسد في هيئة البشر حتى وقتنا الحاضر و ليس هناك ما يثبت أنه لم يَعُد يتجسد حالياً ، و لا يعلم إلا الله من هم الشخصيات المشهورة التي قد تجسد بها في وقتنا الحاضر ، شخصيات سياسية و فنية و إعلامية تظهر في التلفاز و تدلي بالتصريحات أو الحوارات التي تصب في تنفيذ أهدافه . هو أيضاٌ يتطور في أساليبه بتطور التقنيات الحديثة ، فقد يكون له حسابات في الفيسبوك و تويتر ينشر فيها منشوراته و تغريداته التي ربما تحصل على آلاف اللايكات و آلاف المشاركات لها ، و قد أثير الجدل قبل أعوام حول حساب في الفيسبوك بإسم (إبليس) ، و قد قرأت تعليقات لأشخاص على منشورات ذلك الحساب الذي حُذف فيما بعد يقسمون أن ذلك الحساب الشيطان نفسه ، أعاذنا الله و إياكم من وسوسته و همزاته.
أحد أولئك الأشخاص الذين أقسموا أن الحساب يتبع الشيطان و الذي يدعي أنه وسيط روحاني له معرفة بعالم الشياطين و الجن هو (محمد المغربي) ، و الذي كان له آراء غريبة و مثيرة للجدل ، من بينها أن الشيطان أو أتباعه من الشياطين يتجسدون فعلياً في شخصيات معروفة و لها تأثير في القرار السياسي الدولي أو على صعيد دولة معينة ، و أن الشيطان يتجسد بهذه الشخصيات فلا نستطيع التفريق بينهم إلا بعلامة واحدة ، و هذه العلامة هي عيون الشيطان التي لا يستطيع إخفاءها طوال الوقت ، فتجدها تظهر بسواد كامل لا بياض لها أو تُلاحظ عند إغماضها بظهور جفون إضافية أشبه بجفون الزواحف التي تغطي أعينها من أسفل لأعلى ، و عند بحثي في حقيقة هذه الظاهرة وجدت فيديوهات على اليوتيوب و كأنها تثبت صحة كلامه، مثلاً فيديو لشخصية كبيرة في بريطانيا و أثناء إستقبالها لبعض الزوار تنظر فجأة للكاميرا بعينين سوداوين لا بياض لها ، أيضاً فيديوهات أخرى لمذيعين و فنانين و سياسيين تتغير أعينهم في ثانية معينة فتبدو كأعين الزواحف في لقطات تثير الرعب و الإستغراب في النفس ، و كأنها لقطات من أفلام رعب.
موضوع آخر تحدث عنه حيرني و أثار في داخلي تساؤلات كثيرة ، و أنا أنقلها لكم من باب الإثارة و التشويق لا من باب الإثبات أو فرض رأي معين ، إذ ذكر أن الشيطان معروف بجمعه للصفات الذكورية و الأنثوية في نفس الكيان ، و أنه يفرخ و يبيض كما جاء في أحد الأحاديث النبوية ، و أن الأديان التي تعظم الشيطان ترى أن الإنسان الكامل هو من يجمع بين الصفات الذكورية و الأنثوية كالشيطان تماماً ، أحد تلك الأديان تنتشر في تايلاند و التي تؤمن بنبوءة أن المخلص او المختار سيكون إنسان كامل يجمع بين الصفات الذكورية و الأنثوية ، لهذا تنتشر في تايلاند ظاهرة التحول الجنسي (Transsexuals) و فيها أكبر عدد من المتحولين جنسياً ، و تُعد تايلاند من أكثر الدول التي يُجرى فيها عمليات التحول الجنسي (Transsexuality) في العالم ، ثم ذكر أن من بين من أعتقدوا بفكرة الإنسان الكامل الذي يجمع بين صفات الذكورة و الأنوثة هو العالم و الرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي و الذي عُرف بأنه كان مثلي الجنس رغم أنه لم يكن ذو صفات أنثوية ، لكنه كان يحيط نفسه بأشخاص من الجنس الثالث ، و أهم أولئك هو معاونه (سالاي) و الذي كان يدعوه بالشيطان الصغير ، و في رأي ذلك الوسيط الروحي أن سالاي كان الشيطان نفسه ، و أن الشيطان هو من وقف أمام ليوناردو دافنشي ليرسمه في أشهر لوحاته (الموناليزا) ، نعم ” مما ذكر ” لم تكن الموناليزا كما روي تاريخياً زوجة لأحد التجار في البندقية ، بل كان الشيطان نفسه ، و يستدل بعدة أدلة منها أن المختصين احتاروا في كون الموناليزا ذكر أم أنثى ، كثير من المختصين و العلماء كانوا مقتنعين في أن الموناليزا هي ذكر و ليست أنثى ، البعض أعتقد أن ليوناردو دافنشي قد رسم نفسه و البعض الآخر كان يعتقد أن الموديل الذي وقف أمام الرسام هو سالاي الشيطان الصغير . دليل آخر يذكره الوسيط الروحاني و هو وجود جسر الشيطان خلف الموناليزا في اللوحة ، و الذي بناه الشيطان في ليلة واحدة بالإتفاق مع القديس كولومبانوس مقابل الحصول على روح أول من يعبر عليه ، لكن القديس دفع بكلب ضال كي يكون أول من يعبر.
هذان الرأيان لذلك الوسيط الروحاني هما من أكثر الآراء التي أثارت في نفسي كثير من التساؤل و الإستغراب و الرعب كذلك ، فماذا لو كانت لوحة الموناليزا التي نعلقها في بيوتنا و مكاتبنا ( كنسخ غير أصلية طبعاً ) أو التي نجعلها خلفية لشاشات الموبايلات هي في الحقيقة صورة الشيطان نفسه ، مجرد التفكير في ذلك يجعلني في ذهول و صمت سائلاً نفسي مرات و مرات : هل يمكن أن يتجسد الشيطان في لوحة ؟!
في الختام:
من منكم أعزائي القراء شاهد مسلسل المداح و شاهد ذلك الحوار بين صابر و الشيطان المتجسد ؟؟ بصراحة أن المشهد هو من جعلني أكتب مقالي هذا ، و الذي أرجو أن ينال إعجابكم و استحسانكم.